ويقصد بها: الولاية على الوقف والسلطة التي تعطي صاحبها الحق في حفظ الأعيان الموقوفة وإدارة شئونها واستغلالها وعمارتها، وتقع في هذا الجانب بعض التحديات، منها:
التحدي العشرون
أعتقد أن هذا التحدي من أهم ما يجب الاعتناء به وإعطاؤه الأهمية القصوى، إذ عليه ينبني نجاح مشروع الوقف أو تعثره بعد توفيق الله تعالى.
فبأعضاء مجلس النظارة يتحقق النجاح أو لا يتحقق، فهم المحرك الحقيقي والأساس للوقف.
نحن هنا لا نتحدث عن الشروط الأساسية لمن يدير الوقف وهي المنصوص عليها في كتب الفقه في أبواب التبرعات؛ كالإسلام والعدالة والتكليف، بل نتحدث عن الصفات الزائدة على ذلك مما يحقق هدف الوقف وغاياته.
من سأختار؟ وكم عدد أعضاء المجلس؟ وهل أعيّنهم مباشرة أم أجرّب خبرتهم ورأيهم قبل ذلك؟
هذه أسئلة مشروعة ومهمة لابد من التريث في تحقيقها.
وبلا شك فإن الهدف من الوقف ومجال استثماره ومصرفه؛ له أثر كبير في الإجابة عن هذه الأسئلة، فبمعرفته يمكن أن تتحدد الإجابة أكثر.
وبعد أن نتفق على ضرورة أن يكون من يتم اختياره هنا موصوفاً بالحزم والاستقلالية في اتخاذ القرار؛ هناك محدداتٌ مشتركة في جميع المجالات الوقفية، تحتّم وجود كل من:
عضو ذي خبرة جيدة وممارسة في الأوقاف، ومتخصص في العلم الشرعي.
رجل أعمال متخصص في مجال استثمار الشيء الموقف.
الواقف ومن بعده أحد أولاده أو قرابته.
أما كم عددهم؟
فلا يمكن وضع قاعدة محددة واحدة إذ الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وقد يختلف ذلك باختلاف حجم الوقف واستثماراته وخبرة القائمين عليه ومجال صرفه، لكن الأهم من ذلك:
أن يكون النظار متقاربين ومتفاهمين ومتجانسين، وعددهم مناسب، حتى لا يكون الوقف هو الضحية بسبب كثرة أعضائه، أو تنافرهم، أو تساهل بعضهم خصوصاً من كانوا من غير ذرية الواقف، أو مجاملتهم للواقف وذريته أو العكس، أو أن يكون الوقف محلاً لتصفية الحسابات بين النظار من ذرية الواقف وقرابته.
كم رأينا في دراسة أسباب تعثر الأوقاف أو موتها كون السبب الأول في ذلك هو سوء اختيار بعض الأعضاء.
اقترح عليك أيها الكريم: أن تبدأ بهم كمستشارين، فإن رأيت منهم قوة وأمانة فحينئذٍ يتم تعيينهم كأعضاء، ولا تتسرع بتعيينهم فيصعب بعد ذلك اتخاذ قرار الاستغناء عنهم.
التحدي الحادي والعشرون
من الطبيعي أن يقع في قلب الواقف الخوفُ من وقوع النزاع بين النظار؟
بل يجب أن يفكر في هذه التحدي مسبقاً حتى يعمل من الآن على تجاوزه والتخطيط لتلافي وقوعه وحسن معالجته إن وقع، ويكون ذلك من خلال تحقيق أمور، منها:
حسن اختيار النظار، ويعرف ذلك ببيان السبب في اختيار كل عضو، فيسأل نفسه ويجيب بكل تجرد: لماذا اخترت فلاناً عضواً ولم أختر غيره؟ وما الذي سيضيفه هذا العضو للوقف؟
حتى لا تتكرر نفس صفات الأشخاص ومجالاتهم، فلا يتحقق التكامل والتجانس.
حوكمة الوقف المستمرة، وتحسين قواعده ولوائحه.
تجويد التخطيط لكل مرحلة في الوقف.
مراعاة مقاصد الوقف والواقف.
التحدي الثاني والعشرون
يجوز أن تكون المرأة ناظرة على الوقف، وذلك أن عمر -رضي الله عنه- أوصى بأن تكون ابنته حفصة -رضي الله عنها- ناظرة على وقفه الذي أوقفه في خيبر، وتولاه عمر ثم جعل الولاية من بعده لابنته حفصة بعد موته.
وجاء في الأثر الذي فيه كتاب صدقة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأرض خيبر: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به عبد الله عمر أمير المؤمنين إن حدث به حدث، أن ثمغاً وصرْمة ابن الأكوع، والعبد الذي فيه، والمائة سهم التي بخيبر ورقيقه الذي فيه، والمائة التي أطعمه محمد صلى الله عليه وسلم بالوادي؛ تليه حفصةُ ما عاشت، ثم يليه ذو الرأي من أهلها، ألا يباع ولا يشترى، ينفقه حيث رأى من السائل والمحروم وذوي القربى، ولا حرج على من وليه إن أكل أو آكل أو اشترى رقيقا منه". أخرجه أبو داود وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (2879)، فقد أوصى عمر رضي الله عنه إلى حفصة أم المؤمنين ثم إلى الأكابر من آل عمر لتولي ذلك الوقف من بعده، وهذا تخصيص لحفصة – أم المؤمنين - دون إخوتها وأخواتها في النظارة على وقف عمر رضي الله عنهما، وفيه دلالة على رجاحة عقلها وحسن إدارتها رضي الله عنها؛ فالذكورة ليست شرطاَ لصحة النظارة على الوقف، فيجوز أن تتولى المرأة نظارة الوقف .ينظر: الإسعاف ص(53)، والفتاوى الهندية 2/408، و مواهب الجليل 6/38، وحاشية القليوبي 3/109، وكشف المخدرات 2/47.
التحدي الثالث والعشرون
قد يتبيّن للواقف عدم صلاحية الناظر لأي سبب من الأسباب، لذا قدّمنا فيما سبق أهمية حسن الصياغة ودقتها في وثيقة الوقف، ليكون بالإمكان تحقيق المصلحة في أي وقت.
نعم أخي الواقف الكريم؛ يجوز لك عزل الناظر حين تكون قد اشترطت ذلك في وقفيتك.
اكتب في شرطك بأن لمجلس النظارة حق عزل الناظر غير المناسب واذكر بعض الأسباب في العزل.