المحطة السادسة

فصل التوثيق


التحدي الثلاثون

فاكتبوه

أعتقد أيها الواقف الكريم؛ أنه مرّ ببالك سؤال يقول: هل اكتب وقفي على الأوراق أو اكتفي بإخبار بعض معارفي مشافهة عن ذلك؟



تأكد أخي الكريم: أن كل أمر يضبط الوقف ويحفظه يجب شرعاً العمل به، ومنه كتابة الوقف على الأوراق، فالكتابة أقوى من الإخبار والإشهاد، لأن الكتابة أبقى من الشهادة؛ لذهاب أعيان المستشهد بهم، ووقف عمر بن الخطاب ثبت - بداية - بالإشهاد في عهد رسول الله، ثم كتبه وأشهد عليه.

وتوثيق الأوقاف من أعظم أسباب حفظها واستمرارها، ودفع أيدي المعتدين والطامعين فيها، وهو السبيل الذي يحقق مقاصد الواقفين في بقاء أوقافهم مع تعاقب السنين، والحفاظ عليها من الضياع والاندثار، والتقيد بمصارفها كما نص عليها الواقف، وضبطها من التغيير والأهواء.

تذكرة

يقول الشيخ العلامة عبدالرحمن السعدي رحمه الله: "فكم في الوثائق من حفظ حقوق، وانقطاع منازعات".

التحدي الحادي والثلاثون

ذلكم أقسط عند الله


هل اكتفي بتوقيعي على أوراق الوقف دون وجود شهود أو أشهد عليه؟

الاهتمام بقضية التوثيق تعتبر من أكبر التحديات في هذا المجال، فكلنا لا نعرف ماذا سيحدث في المستقبل أو بعد وفاتنا، لذا وجب أن يجوّد الواقف وقفه بالكتابة، ويشهد عليه العدد المناسب، فلا يدري الواقف ماذا سيكون مستقبلاً، فكم من أوقاف حفظت بسبب كتابتها والإشهاد عليها ممن حاول إنكارها أو التعدي عليها أو تغيير شروطها.

التحدي الثاني والثلاثون

ذلكم أقسط عن الله


يخشى بعض الواقفين مما قد يواجهه بعد تسجيل وقفه من تحديات تتعلق بأعمال الوقف والنظارة والإدارة، فلا يبادر بتسجيله لدى الجهات الرسمية، متوهماً أن ذلك حلٌّ لهذا التحدي.


ونحن نقول: إن تسجيل الأوقاف لدى الجهات الرسمية سبب في حفظها، وما يتهرب منه بعض الناس بسبب وجود بعض التحديات بعد تسجيل الأوقاف قد يوقع فيما هو أشد منه وهو ضياع أصل الوقف.

فكرة

قد يكون من الحلول المناسبة لبعض الواقفين أن يكتب وقفه ويشهد عليه دون تسجيل، ثم يمارس أعمال الوقف والنظارة والإدارة مدة زمنية يحددها، ويدرس من خلالها ما سيواجه من تحديات لو كان سجل وقفه، ويعمل على تجاوزها، ثم يقوم بعد ذلك بتسجيل وقفه لدى الجهات الرسمية، وهذا المقترح خاص بالواقف نفسه حين يتمم وقفه في حياته، وليس لمن بعده.

ختاماً

كل من اتكل على نفسه أو من حوله فقط لتجاوز هذه التحديات فقد اتكل على ضعف [وخُلق الإنسان ضعيفاً].

والعمل أن تصْدق مع ربك وتتوكل عليه وحده، وتطّرح بين يديه وتسأله بصدق ومناجاة أن يقبل منك ويبارك في وقفك، ثم تأخذ بالأسباب الحسية، ومن صدَق ربه أبهرته النتائج والثمار، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن تصْدُق الله يصدقك). ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله: "ليس للعبد شيء أنفع من صدقِهِ ربَّه في جميع الأمور مع صدق العزيمة، ومن صدق الله في جميع الأمور صنع الله له فوق ما يصنع لغيره" .فوائد الفوائد، ص 328.

وتأمل كيف خلد الله بعض الأنبياء في أشرف كتبه وهو القرآن بسبب صدقهم، فقال تعالى: [وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ]، [مريم: 54]، وقال: [وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا ]، [مريم: 41].


اللهم اكتب لهذه العبارات القبول والبركة ونفع العالمين.


يا حيي ياقيوم برحمتك استغيث اصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين