المحطة الثانية

الشيء الموقوف


ويقصد به المحل الذي يرد عليه عقد الوقف، وتترتب آثاره الشرعية عليه، وتقع فيه بعض التحديات، منها:

التحدي السادس عشر

حتى تنفقوا مما تحبون

أيه الكريم؛ لا تجعل حيرتك في اختيار الموقوف من أموالك سبباً في إلغاء فكرة الوقف أو تحدياً يمنعك من الإقدام.



ولأساعدك على تجاوز هذه الحيرة؛ عليّ أن أذكّرك بقوله الله تعالى: [لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ]، [آل عمران:92]، فاختر وقفك مِن أحب مالك إليك، فمن رغب الجنة أنفق مما يحب، وقد فسر عمرو بن ميمون الآية بأن: البر هنا هو الجنة. كما في تفسير ابن كثير.

تذكرة

لا يقبل الله إلا الطيب


ويؤيد ذلك ما روي عن أبي طلحة رضي الله عنه حيث كان من أكثر الأنصار بالمدينة مالاً، وكان أحب أمواله إليه بئر بيرحاء - وكانت مستقبلة المسجد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماءٍ فيها طيّب - قال أنس: فلما نزلت الآية قال أبو طلحة: يا رسول الله ، إن الله يقول: [لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون] وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله تعالى، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (بخٍ، ذاك مال رابح، ذاك مال رابح، وقد سمعت، وأنا أرى أن تجعلها في الأقربين)، فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله. فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه. أخرجه البخاري ومسلم.

وحينئذ لابد أن يكون الشيء الموقوف طيباً، فالله لا يقبل من الصدقات إلا ما كان طيباً حلالاً، قال رسولُ الله عليه الصلاة والسلام: (إنَّ الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإنَّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المُرسلين؛ فقال تعالى: [يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا]، [المؤمنون:51] وقال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ] [البقرة:172] ثم ذكر الرجلَ يُطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغُذي بالحرام، فأنَّى يُستجاب له؟!) رواه مسلم.

على أن لاتنسى وفقك الله؛ الاهتمامَ بالنظرة المستقبلية في الاستثمار بحيث يكون الشيء الموقوف له صفة الديمومة والاستمرار والنمو والتطور في أصله وريعه.


التحدي السابع عشر

الوقف مبني على التيسير

هل يمكن أن يكون الوقف شائعاً ومشاركاً لي في مالي وتجارتي؟


قد يظن بعض الواقفين أن الوقف لابد أن يكون في ماله المفروز المحدد، ويخصص كل ذلك المال أو العقار للوقف فقط.

نقول ببساطة: إن من تيسير الله عز وجل أنه يصح أن يكون الوقف شائعاً في مالك سواء كان مالك عقاراً أو شركة أو أسهماً في إحدى الشركات أو نقداً أو غيرها، كما أنه يصح ولو كان معك شركاء متعددون.


وقد بوّب الشوكاني في نيل الأوطار باب وقف المشاع، وذكر فيه حديث ابن عمر قال: "قال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: إن المائة السهم التي لي بخيبر لم أصب مالاً قط أعجب إلي منها قد أردت أن أتصدق بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (احبس أصلها وسبل ثمرتها) رواه النسائي وابن ماجه.

تذكرة

إذا كانت الزكاة تُؤخذ شرعاً من جنس مال الشخص؛ فكذا وقفك يا رعاك الله يحسن أن يكون من جنس تجارتك، فإن كانت تجارتك عبارة عن شركة ذات نشاط معين، أو مصنعاً؛ فليكن وقفك أسهماً في هذه الشركة أو المصنع، وهذا من التيسير على أرباب الأوقاف وتقويةٌ لتنويع الاقتصاد، وتعظيمٌ لأجور الواقفين إذ سيغدو عملهم اليومي في تجارتهم عبادة وقربة وطاعة.

التحدي الثامن عشر

استقلالية الوقف

هل الوقف هو الأصل ويتفرع منه ما أريد أم أن الوقف فرع يدخل تحت المؤسسة الخيرية أو الشركة الاستثمارية؟



قد يُخيّل لبعض الواقفين أن الوقف يندرج تحت مؤسسة خيرية أو جمعية ينشأها أو شركة ما تسيطر عليه وتحُدُّ من خياراته.

لكن الوقف - يا رعاك الله - بطبيعته أصل وكيان مستقل شرعاً، له استقلاليته وشخصيته المعنوية، وهو يقود ولا يقاد وأصل يتفرع منه غيره وليس العكس، ومن تحته يمكن أن تقوم بتأسيس الذراع الاستثماري أو الشركة أو المصنع، أو تؤسس ذراع الصرف عبر مؤسسة خيرية أو مسؤولية اجتماعية أو جمعية خيرية، أو أي كيان آخر، لأن هذه الكيانات ليس من خصائصها الديمومة والاستمرار، بل قد تتغير وفق تغيّر النظرة الإدارية والتغيرات المستقبلية، فربما هي اليوم موجودة كمكتب وغداً كمؤسسة ثم شركة ثم نظام آخر.

إضاءة

الوقف هو الأصل وغيره أداة ...فالأدوات تتغير ...والأصل باقي.

التحدي التاسع عشر

لابد من بداية مُشرقة


في خضمّ تزاحم الأفكار والرؤى قد تكون البداية هاجساً وتحدّياً أمام بعض الواقفين، فيبرز السؤال: من أين، وبأي شيء أبتدئ؟


لكن يجب علينا أن نتذكر هنا أن المجال الوقفي يختلف عن باقي المجالات لكون الواقف قد حاز الأجر والمثوبة من الله بمجرد نيته وعزمه على فتح باب الخير هذا لنفسه، سواء تكلل عمله بالنجاح والاستمرار أو لا، فالأجرهنا يجب أن أذكّرك أخي الواقف الكريم بما جاء في سنة النبي الكريم من ضرورة:

  • الاستخارة

  • كثرة الدعاء والتضرع لله تعالى.

  • الاستشارة.

  • تشكيل فريق لتأسيس الوقف بما يناسب حجم وقفك وطبيعته.

فكرة

اقترح عليك أن تشكيل فريق يسمى فريق الـ (60) يوماً.. يكون هدف هذا الفريق دراسة أفضل صورة تناسبك، ويقترح المستشار أو الجهة التي تؤسس لك وتكتب وثيقتك الوقفية.