ويقصد بالمصارف هنا: الجهة أو الشخص الذي يصرف له ريع الوقف، وفي هذا المجال بعض التحديات، من أهمها:
التحدي السابع والعشرون
مع تنوع أبواب الخير التي شرعها الرحيم بعباده، ربما تحتار أخي الواقف الكريم، وتتسائل عن أفضل المصارف التي تذكرها في وقفك، فأقول لك: لا تتردد وانظر إلى حاجة الناس، وتلمَّس ما هم له أحوج، وله أكثر تشوّفاً فبادر إليه.
فإن رأيت حاجة الناس إلى العلم الشرعي وتحقيق توحيد الله تعالى فليكن الوقف على ذلك فهو أفضل وأعظم أجراً، وإن كانت حاجتهم إلى الماء فاْسعَ في توفير ما يحقق ذلك كحفر بئرٍ أو مشروع تحلية أو تمديد الأنابيب له، وإن رأيت حاجة الناس للمسجد أكبر فسارع إلى بنائه، وإن رأيت حاجتهم للعلم والتعليم فالأفضل إقامة مدرسة أو مركز تعليمي، وهكذا.
فالأفضل دائماً هو تتبع شدة حاجة الناس، وعِظَم المصلحة المتحققة، قال النووي: "ومنها أن الأفضل في صدقة التطوع أن ينوعها في جهات الخير ووجوه البر بحسب المصلحة، ولا ينحصر في جهة بعينها" شرح النووي على صحيح مسلم 7/83.
وعظم الثواب والجزاء متوقف على إصابة الحاجة والمصلحة.
وإذا كان قرابة الواقف محتاجين؛ فالأجر فيهم أعظم، لما أعتقت ميمونة أم المؤمنين وليدتها وأخبرت بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: (أما أنكِ لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك).
فجعل الصدقة بها على الأقارب أعظم أجرًا من العتق المطلق، مع ما جاء في العتق من الأجور العظيمة، والثواب الجزيل.
لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة وجد أن الماء العذب قليل، وليس بالمدينة ما يستعذب غير بئر رومة، فقال رسول الله: (من يشتري بئر رومة فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له في الجنة) رواه النسائي وصحيحه الألباني (2/ 766).
وقال: (من حفر بئر رومة فله الجنة) فاشتراها عثمان. أخرجه البخاري معلقا برقم: (2778).
التحدي الثامن والعشرون
هل هناك حد للشروط في الوقف؟ وماذا أضع من الشروط؟
قد يتصور بعض الواقفين أنه لابد من أن يكون الوقف مسجداً أو في جانب شرعي بحْت، وأن المجالات الطبية أو الهندسية لا تشملها الأوقاف!
كلما بادرت في وضع وقفك في حياتك وقوتك كلما عرفت وعرف من حولك ومجلس نظارة الوقف مقصدك في شروطك وتفسيرك العملي لعباراتك ومرادك.
نعم نقولها بكل فخر: إن من محاسن ديننا الحنيف اشتماله على الحث على كل ما ينفع الناس، فتصح الأوقاف على كل ميدان له نفع ومصلحة، كالأمور الطبية أو التعليمية أو المهارية أو الحِرَفية، كما أن العلم الذي يبقيه الشخص بعد موته يجري له به أجره لا يشترط أن يكون علماً شرعياً فقد يكون علماً طبياً أو هندسياً أو تاريخياً أو إدارياً أو سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً أو غير ذلك من العلوم، وشرطه الوحيد أن يكون علماً ينتفع به، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، .......) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. و لا يحرُم الوقف إلا في حالة واحدة فقط؛ وهي إذا كان على محرم.
التحدي التاسع والعشرون
دعني أتفق وإياك أيها الواقف الكريم؛ أنه لابد من أن تستقطب الكفاءات المميزة في نظارة الأوقاف وليس الأقل أجرة، فكل قرار له آثاره على وقفك.
وبعد ذلك، يمكن أن نفكّر في مقدار ما يخصص للنظار من مكافأة، وهل الأفضل تحديد نسبة أو مكافأة مقطوعة؟
فنقول: يختلف ذلك باختلاف حجم الوقف والجهد المبذول لكل عضو، لكن القاعدة أن يكون لهم أجرة مثلهم، ومثال ذلك إذا كان الوقف حجمه ونتائجه توازي الشركات المدرجة في سوق المال، فتكون مكافأة الأعضاء مثل مكافأة أعضاء مجالس إدارة الشركة المماثلة له في سوق المال من حيث الحجم ونوعية النشاط وعمر المنشأة..الخ.
وإذا كان الوقف صغيراً جعل للناظر نسبة من الدخل من 5-10% وهكذا.
و يمكن أيضاً تحفيز الناظر بزيادة النسبة إذا حقق مزيداً من الربح الصافي.
إياك والغفلة عن الهدف الأساسي من الوقف، وهو التقرب إلى الله تعالى وتعظيم الثواب والأجر للواقف، وليس تضخيم المال، فإذا وجدت حاجة ومسغبة وفقر وجوائح وشدة وضرّ؛ كانت المسابقة للصرف أفضل وأولى، وهو المقصد الأساسي من الوقف، فلا يعقل أن تكون هذه الأزمات سبباً في تضخيم ثروات الأوقاف بدل زيادة مصارفها.