ونقصد هنا بالشروط: الشروط التي قد يضعها الواقف في نص وثيقة الوقف، ونلحظ هنا وجود بعض التحديات، من أبرزها:
التحدي الرابع والعشرون
قد تتسائل أخي الواقف الكريم: هل يحق لي الاستفادة المباشرة من ريع وقفي؟
نعم يحق لك الاستفادة من ريع وقفك والصرف منه على ما تحب، وأن تنفق منه وتهدي وتأكل وتشرب وتسافر؛ إذا اشترطت ذلك في وثيقة الوقف.
وقد نص العلماء على جواز انتفاع الواقف بوقفه، مثل ما فعل عثمان بن عفان رضي الله عنه في وقفه بئراً في المدينة المنورة؛ حيث أوقفها على المسلمين وجعل دلوه كأحد دلاء المسلمين، ووقف أنس رضي الله عنه داراً له في المدينة فكان إذا حج مر بالمدينة فنزل داره.
وكذا فعل أنس ، فعن ثُمَامة، عن أنس: "أنه وقَفَ دارًا بالمدينة، فكان إذا حج مرَّ بالمدينة، فنزل دارهُ". السنن الكبرى للبيهقي (6/161). وفتح الباري (7/24).
وعقد البخاري في كتاب الوصايا، باباً أسماه: إذا وقف أرضاً أو بئراً واشترط لنفسه مثل دلاء المسلمين. وذكر وقف أنس رضي الله عنه: "ووقف أنس داراً، فكان إذا قدم نزلها"، صحيح البخاري، برقم 2778.
وعلق ابن حجر على فعل أنس رضي الله عنه بقوله: «وهو موافق لما تقدم عن المالكية أنه يجوز أن يقف الدار ويستثني لنفسه منها بيتًا». فتح الباري (7/25). وقال أهل العلم بجواز شرط الواقف لنفسه منفعةً مِن وقفه، وقال ابن بطال: "لا خلاف بين العلماء أن من شرط لنفسه ولورثته نصيبا في وقفه أن ذلك جائز".
وكما أن من وقف مسجداً يكون هو وأولاده من جملة المصلين، ومن وقف معهداً أو مدرسة للتعليم فيكون أولاده من جملة الدارسين من الطلبة.
التحدي الخامس والعشرون
هل هناك حد للشروط في الوقف؟ وماذا أضع من الشروط؟
أخي الواقف الكريم: ضع ما تشاء من الشروط التي لا تخالف كتاب الله تعالى، لكن الأهم أن تعلم أن كل شرط يلزم العمل به الآن ومستقبلاً، فأحسن اختيار الشرط وأوضح معناه ومدلوله، واستصحب دائماً تساؤلاً يقول: ماذا بعد مائة سنة من تأسيس وقفي؟ هل سيكون شرطي واضحاً والمراد منه بيّناً ليعمل به؟
كلما بادرت في وضع وقفك في حياتك وقوتك كلما عرفت وعرف من حولك ومجلس نظارة الوقف مقصدك في شروطك وتفسيرك العملي لعباراتك ومرادك.
التحدي السادس والعشرون
من تحديات صيغة الوقف أن تكون مفصّلة لا لبْس فيها، فذلك سبب في قطعها لأي نزاع لاحق.
فيستحب تفصيل الواقف في وقفه، وإزالة اللبس في أعيانه وحدوده وشروطه ومصارفه، ومن يتولاه في النظارة وغير ذلك.
وقد اتفق العلماء على أن شروط الواقف مصانة في الشريعة، وأن العمل بها واجب، وعبَّر ابن القيم - رحمه الله - عن هذا المعنى بقوله: "الواقف لم يُـخرج ماله إلا على وجه معين؛ فلزم اتّباع ما عيّنه في الوقف من ذلك الوجه".
ولذا اشتهرت العبارة التي سارت بها الركبان: «شرط الواقف كنص الشارع».
ويشتد اشتهارها وتناقلها في الأزمنة التي يزيد الاعتداء فيها على الأوقاف، والمراد منها وجوب العمل بشرط الواقف إذا وافق الكتاب والسنة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "من قال من الفقهاء: إن شروط الواقف نصوص كألفاظ الشارع، فمراده: أنها كالنصوص في الدلالة على مراد الواقف؛ لا في وجوب العمل بها، والشروط إن وافقت كتاب الله كانت صحيحة، وإن خالفت كتاب الله كانت باطلة".