إن الإيمان العميق بفكرة الوقف، والاهتمام بها، والعمل مع الواقفين لفترة طويلة؛ قادني إلى التأمل في بعض تساؤلاتهم، تساؤلات الأفراد وتساؤلات الجهات الاعتبارية، والإشكالات التي تكاد تكون متفقة بسبب مرورهم جميعاً بنفس المحطات بدءاً من انقداح الفكرة وخطوات التأسيس لأوقافهم، حتى ولادة الوقف وقيامه على أرض الواقع.
حينها؛ ولدت فكرة هذا الكتاب، وهو - في نظري – يشبه المصباح الذي تحمله أخي الواقف في طريقك لهذه الرحلة الطيبة، نظرتُ وأنا أكتبه من زاويتك أنت، وعرفت كل التحديات التي قد تواجهك فحاولت التنويه عليها والإجابة عنها، وتسليط الضوء على الحلول الـمُثلى لها. وهي – أخي الواقف - تحديات واقعية، لا مبالغة فيها ولا تهويل، وفي نفس الوقت لا إغماض للعين عنها ولا استسهال فيها.
والتحديات تُرصد ليكون الإنسان على علم، وليحسب حسابها ويأخذ بأسبابها..
فليس من المنطقي مثلاً أن أقول لك: ابدأ وقفك بلا أخذ بالأسباب والله سيتولاه بسبب نيتك الطيبة.. كما أنه ليس من الصواب أيضاً أن أقول: لا تُقدم على الوقف لأنه سيضيع..
بل أردّد معك قول المصطفى الكريم صلى الله عليه وسلم في حكمته البالغة (اعقلها وتوكل).
نعم، أنشئ وقفك وخذ بالأسباب وفق ما أمر الله بجد وحزم، وأحسن العمل ليعظم الثواب ويستمر، قال الله تعالى: [الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ]، [سورة الملك:2] ، وأبشر بأن الله سيتولى وقفك.
وهو الشخص الذي يُنشئ الوقف
ويقصد به المحل الذي يرد عليه عقد الوقف، وتترتب آثاره الشرعية عليه
ويقصد بها: الولاية عى الوقف والسلطة الي تعطي صاحبها الحق في حفظ الأعيان الموقوفة وإدارة شئونها واستغلالها وعمارتها
ونقصد هنا بالشروط: الشروط الي قد يضعها الواقف في نص وثيقة الوقف
ويقصد بالمصارف هنا: الجهة أو الشخص الذي يرف له ريع الوقف
توثيق وكتابة الوقف
الأوقاف تولد لمواجهة التحديات وتعمل على الإبداع في تجاوزها ويزدد عطاء الأوقاف على مر التاريخ عند اشتداد الأزمات ووقوع الجوائح والمسغبة وقلة ذات اليد، لأنها تفرح بتفريج الكرب وتبحث عن تعظيم أجر الواقف والقائمين على إدارة الوقف، ومن يستقرأ تاريخ الأوقاف يجد أنها ابتكرت الحلول وأبدعت في التنفيذ في كافة أركانها وتعدد مجالاتها، وسعت لمعالجة الكثير من الإشكالات والتحديات في كل زمان ومكان بحسبه، فمرة لتعليم الناس ما أوجب ربهم عليهم، وتارة في تأمين المياه الصالحة للشرب، وأخرى للتعليم، ورابعة في مجال الأمن الغذائي كالزراعة والثروة الحيوانية، وخامسة في الاقتصاد وتوفير فرص العمل، وسادسة لإحياء ومعالجة النفوس عبر المستشفيات والمراكز الطبية. فالأوقاف والتحديات أخوة.
والفرص والأجور العظيمة في حسن إدارة الأوقاف لهذه التحديات ثم الأبداع في تجاوزها وخلق نماذج يحتذى بها تكون سنة حسنة للعبد أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.
أخي الواقف؛ اعلم رحمني الله وإياك وكل مسلم، وأنت تطلع على هذا المكتوب أن ما من عمل من أعمال الدنيا أو الأخرة إلا ويجد أصحابه نصباً وجهداً ومشقة، فالجميع يشتركون في الألم ويختلفون في الأمل والنتائج، [إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا]، [سورة النساء:104]
والتحديات التي تواجهك أيها الواقف نوع من المشقة التي يريد الله لك بها عظم الثواب والأجر، والقاعدة المتقررة شرعاً أن المشقة إذا كانت ملازمة للعبادة بحيث لا يمكن القيام بالعبادة إلا مع تحمل هذه المشقة؛ فأنه يزيد معها الأجر والثواب، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ( إن لك من الأجر على قدر نصبك ونفقتك ) رواه الحاكم وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1116) وأصل الحديث في الصحيحين.
قال النووي في "شرح مسلم": " قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (عَلَى قَدْر نَصَبك أَوْ قَالَ : نَفَقَتك) هَذَا ظَاهِر فِي أَنَّ الثَّوَاب وَالْفَضْل فِي الْعِبَادَة يَكْثُر بِكَثْرَةِ النَّصَب وَالنَّفَقَة, وَالْمُرَاد النَّصَب الَّذِي لا يَذُمّهُ الشَّرْع, وَكَذَا النَّفَقَة " انتهى." قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (عَلَى قَدْر نَصَبك أَوْ قَالَ : نَفَقَتك) هَذَا ظَاهِر فِي أَنَّ الثَّوَاب وَالْفَضْل فِي الْعِبَادَة يَكْثُر بِكَثْرَةِ النَّصَب وَالنَّفَقَة, وَالْمُرَاد النَّصَب الَّذِي لا يَذُمّهُ الشَّرْع, وَكَذَا النَّفَقَة " انتهى.